ثورة الأفكار

الأحد، أغسطس ١٣، ٢٠٠٦

البلياردو

البلياردو

من الواضح أن إخفاقاتنا ليست نتاج دهاء أعدائنا

13/8/2006

كنت على موعد مع صديق لي في النادي.. وصلت مبكراً...تجولت حتى يحين الموعد... دخلت قاعة
البليارد... بدأت أتأمل اللاعبين... جذبني طفل... أسرتني مهارته، وأعجبتني وقفته كفارس محترف من فرسان البليارد، سألته عن كيفية وصوله إلى هذا المستوى، فعرفت أنه يتدرب يومياً ساعتين، وأنه من عشاق هذه اللعبة.. دعوته بعد أن حسم المباراة لصالحه أن يتجول معي...فاقترح الذهاب إلى ملعب كرة القدم.
انتقلنا إلى الملعب، وازداد شوقي لرؤية هذا البطل الصغير في ساحة الكرة، بدأت المباراة، كانت عيني لا تفارقه، لكنه صدمني!!...فقدرته على التحمل ضعيفة جداً، وتصويبه للكرة قلما أصاب حدود المرمى، كان أمراً مذهلاً، وحزنت لأنني انتظرت استمتاعاً بأدائه كما أمتعني في البليارد... انتهت المباراة، وأتاني وأنفاسه تزلزل جسده، قلت له: لم يعجبني أداءك، رد متعجباً: أنا لا أتدرب على كرة القدم، ولست لاعباً متمرساً فيها ...أنا لاعب بليارد....
أحسست أنني بالغت في قدرات الطفل، أو أردت أن أرى منه فعلاً لم يرده هو من نفسه، فقد أراد فقط أن يمضي وقتاً ممتعاً مع الكرة، وأردته بطلاً في كرة القدم.
كثيراً ما تتدرب أمتنا على لعبة البليارد التي لا تستدعي بذل جهد بدني كبير، أو لياقة عالية، وتغفل عن أن المباراة المدعوة لخوضها في كرة القدم. وشتان بين حجم كرة القدم التي تضربها بعنف وتتطلب قدماً قوية، وبين حجم كرة البليارد التي تغازلها بعصا خفيفة بعد أن ترتشف بعض الشاي، وبون شاسع بين ملعب البليادر الذي تطوف حوله بدلال، وملعب كرة القدم المهيب الذي يسلب الأنفاس، ويقهر العدائين من الرجال، وهناك تمايز كبير بين خصمك في لعبة البليارد، الذي يتفرج عليك وأنت تلعب، ويمنحك فرصتك، وبين خصمك في كرة القدم الذي لن يتورع عن تسويتك بالأرض قبل أن تدخل منطقة الجزاء.
إن كثرة التدريب على البليارد لا تغني عن لاعب كرة القدم شيئاً، والساعات الطوال التي يقضيها في التمرس على هذه اللعبة لن تشفع له حينما ينتظر الجمهور عَدْوَه برشاقة ثم يسدد ويحرز الهدف. إننا مع كل مباراة نمارس نفس السلوك، فنخرج من قاعة البليادر إلى الاستاد، ثم نشكو قوة المنافس، ونندد بظلم الحَكَم، وقد نلعن الجمهور المتآمر، ثم نقسم أننا تدربنا الساعات الطوال، وفعلنا ما بوسعنا.
من الواضح أن إخفاقاتنا ليست نتاج دهاء أعدائنا، أو تفوق عدتهم وعتادهم، وإنما هي نتيجة طبيعية غير مفاجئة لممارسة البَلَه السياسي على مدار عقود، وهدر الأوقات في افتعال الحراك. وها نحن نبصر أداءً راقياً يذهل العدو قبل الصديق، عندما نجد منظمات جادة، ومؤسسات قررت أن تستعد للمباراة.
إن لاعب الكرة الذي يتدرب على البليارد أشبه بالمقاتل الذي يتدرب على العمل البرلماني، وبالمناضل السياسي الذي يتدرب على العمل الخيري، وبصاحب المشروع الخيري الذي يتدرب على تدريس الطلاب.
يحتاج الأفراد والمؤسسات في كل القطاعات وعياً بالأدوار التي سينتدبون أنفسهم لها، فيدركون طبيعتها جيداً، ثم يتدربون ويمتلكون أدواتها، وإلا ظلت الأمة تبذل جهوداً في البليارد، بينما الجمهور ينتظرها في استاد كرة القدم، وإذا قرر الأبطال أن يخوضوا المباراة، فليكفوا عن الجري حول الملعب "التراك"، وليكسروا خوفهم من اقتحام المساحة الخضراء، حيث يدور التنافس.
يجب أن نحدد أولاً أي المعارك نخوض، ثم نستعد لها بما تتطلبه من إعداد. وليس من البذل أن يسيل العرق في التدريب، ولا توجد نية خوض المباراة، وليس من الفطنة أن تستنزف عمرك لتؤسس مدرسة للسباحة في قلب الصحراء.

---------------

نشرت في الجزيرة توك

7 Comments:

  • أمنية حكوماتنا وأنظمتنا العربية أن يظلوا للأبد فى قاعة البلياردو ولكن لسوء حظهم أن اللعبة التى تعشقها الشعوب هى كرة القدم

    By Anonymous غير معرف, at ١:٥٠ م  

  • نعم أتفق معك يا رامي ...وقد أثبت حزب الله أن دخول المباراة ممكن وأن القضية كلها متوقفة على الإرادة السياسية

    By Anonymous غير معرف, at ١١:١٠ م  

  • الخطأ ليس فيه وانما الخطا هو فيك
    1. لقد اردت انت من المقاتل المتدرب على القتال ان يكون له دور برلماني
    2.اما افتراد انه لا يوجد سوى ملعب واحد ولعبه واحدة فهو ليس صحيح المجتمع فيه مجالات عمل كثيرة قد اتخصص في العمل السياسي لكن لايعنى هذا الا اشارك ابدا في مجال العمل الخدمى للمجتمع مثل اعانة الفقراء
    3. اقتراض ان هناك من يتدرب على البلياردو للعب الكرة او يتدرب على العمل السياسي وهو مقاتل فهو امر ساذج او ابله - على حد تعبير انت - وهايضا افتراض ان هناك من يفعل هذا من المؤسسات التغيرية فهو ايضا امر ساذج يرفضه العقل جملة وتفصيلا
    دعونا نتعامل مع واقع الامة بواقعيه اكثر. انناننظر لواقع المجتمعات الاسلامية بصورة غاية في السذاجة دعونا من هذا الارهاق العقلي في خيالات ان واقع الامة اكثر تعقيدا من هذه الطفولة الفكرية

    By Anonymous غير معرف, at ١:٣٨ ص  

  • الخطأ ليس فيه وانما الخطا هو فيك
    1. لقد اردت انت من المقاتل المتدرب على القتال ان يكون له دور برلماني
    2.اما افتراد انه لا يوجد سوى ملعب واحد ولعبه واحدة فهو ليس صحيح المجتمع فيه مجالات عمل كثيرة قد اتخصص في العمل السياسي لكن لايعنى هذا الا اشارك ابدا في مجال العمل الخدمى للمجتمع مثل اعانة الفقراء
    3. اقتراض ان هناك من يتدرب على البلياردو للعب الكرة او يتدرب على العمل السياسي وهو مقاتل فهو امر ساذج او ابله - على حد تعبير انت - وايضا افتراض ان هناك من يفعل هذا من المؤسسات التغيرية فهو ايضا امر ساذج يرفضه العقل جملة وتفصيلا

    دعونا نتعامل مع واقع الامة بواقعيه اكثر. انناننظر لواقع المجتمعات الاسلامية بصورة غاية في السذاجة دعونا من هذا الارهاق العقلي في خيالات ان واقع الامة اكثر تعقيدا من هذه "الطفولة الفكرية "

    By Anonymous غير معرف, at ١:٤٣ ص  

  • anonymousأعتقد ياأنك تسرعت في القراءة

    فالكاتب وضح "يحتاج الأفراد والمؤسسات في كل القطاعات وعياً بالأدوار التي سينتدبون أنفسهم لها"

    وضح أن هناك أدوارا وقطاعات، ولم يحصر الفكرة في ملعب واحد، والفكرة الواضحة من المقال أن من يختار دوراً "لعبة" عليه أن يتدرب على هذا الدور"، لا أن يرهق نفسه بأدوار أخرى...
    أعد قراءة المقال بتأني
    تحياتي

    By Anonymous غير معرف, at ٩:٢٩ ص  

  • اخي في الله/ وائل
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    بداية هذه اول مرة اسمع فيها مصطلح المقال الرمزي ولعل جهلي بهذا النوع هو الذي دفعني للظن بانك تصور كل الواقع
    واتفق معك على ما اوردته لى من تصحيح بعد وضوح الرؤية وان كنت اود ان انصحك بان تحاول بمقالك ان تورد مثالا واضحا لعلك تستطيع بهذا الاسلوب ان تجمع قبول من يحب المقال الرمزي ومن لا يحبه
    واعتذر عن ورود مصطلح "الطفولة الفكرية" فبعد قراءتي لردتك صدقنى شعرت بالحرج لاستخدامى هذا المصطلح وارجو الا تفهمه بصورة سيئة واسال الله العظيم ان يجمعني بك على حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم

    By Anonymous غير معرف, at ٢:٥٠ م  

  • اخي محسن ارجو ان تكمل الجملة "الطلاب.
    يحتاج الأفراد والمؤسسات في كل القطاعات وعياً بالأدوار التي سينتدبون أنفسهم لها، فيدركون طبيعتها جيداً، ثم يتدربون ويمتلكون أدواتها، وإلا ظلت الأمة تبذل جهوداً في البليارد، بينما الجمهور ينتظرها في استاد كرة القدم"
    انها توكد ان هناك ملعب الكرة وحده

    By Anonymous غير معرف, at ٣:١٤ م  

إرسال تعليق

<< Home