ثورة الأفكار

السبت، سبتمبر ٢٣، ٢٠٠٦

حرف الباء... وفن المناورة

حرف الباء ... وفن المناورة
إلى أي الحروف تنتمي؟؟
22/9/2006

بينما أنا أقرأ في إحدى الكتب، إذا بي أجدني أغيب عن عالم الكتاب، لأدخل عالم الأحرف التي صاغت كلماته، وجدتني أغوص في أعماقه، بدت الأحرفكمجموعة من الرسومات، نسيت الكتاب وموضوعه، لأجدني حائراً منبهراًبهذا العالم.. عالم الأحرف.
ففي عالم الأحرف تدور حوارات، وتحاك مؤامرات ومعارك وسجالات، وجدتالأحرف تتسابق فيما بينها، لتشكل الكلمات، فحروف "الفاء" و"القاف" و"الراء" قد تصنع "فقر" لكنها إذا أحسنت تشكيل نفسها تكون "رفق"، وجدت الفاعل والمفعول به، ورأيت حزناً مرسوماً على نقاط الكلمات التي قدرلها الكاتب أن يجعلها مفعولاً به.

وهناك الأحرف الصغيرة الرشيقة القادرة على المناورة، ورغم أنها قررت أن تعمل صغيرة منفردة دون الاندماج مع أحرف أخرى لتكون كلمة كبيرة؛ إلا أن لديها من القوة ما يجعلها قادرة على أن تَجُر ما بعدها، كما يفعل حرف "الباء" منفرداً، ليكسر أعتى الكلمات، أو كما يتحالف حرفي "الفاء" والياء" ليشكلا قوة "في" التي تسرع وتناوروتخترق سدود الكلمات برشاقة باحثة عن هدفها في كلمة كبيرة، فتختار موقعها قبلها مباشرة، لتكسرها بدورها فلا تبقي ولا تذر، ثم تجرها عائدةبها إلى الأحرف الخائفة.
رأيت كذلك حرف "اللام" يتألق ذكاءً، حين قررأن ينضم إلى مجموعة حروف العلة، ليفسر الأحداث، ويكشف علتها، فيوضح المبهم، ويجلي الحقائق، كذلك هالتني هذه الكلمات المستكينة، التي فضلت أن تكون تابعة، فيربطها ويعطفها على ما قبلها حرف "الواو"، فتتبع ما بعدها، إن كان مكسوراً كُسرت، وإن كان مرفوعاً رُفعت، إن حرف"الواو" يمسخ من يليه، وليس هذا جرمه، بل العتاب كل العتاب لمن ارتضى أن يكون مكانه بعد "الواو". ازددت إعجاباً ب"أو" التي تتيح الخيارات، وتعلمنا أنه لا يوجد خيار واحد، أو استراتيجية واحدة، فاستيعاب العقل ل "أو" يعني تحرره من أسر الحل الأوحد.
إن عالم الحروف يستحق النظر، فمن الأحرف تنسج الكلمات، وتصاغ الخطابات، ومن خلالها يعلن القادة قراراتهم المنطوقة أو المكتوبة، فبالحروف تشن الحروب، وبها توقف، فلا عجب أن تبدو في عالم علاقاتها مفردات الصراع.
وإن كان مقبولاً في دنيا الحروف أن يتواجد الفاعل والمفعول به، والجار والمجرور، وحرف العطف والمعطوف، ليتعايش كل هؤلاء كلوحة تشكيلية تنبض ببلاغة الكلمات وبيانها، فإن الحديث يختلف في دنيا الإنسان.
إن الحروف تعلمنا أن نكون في عالم الإنسان بين فاعلين أو مفعول بنا، أن نَجر أو نُجر، أن نحسن تشكيل أنفسنا، واستثمار مواردنا، أو أن نهدرها..
أن نكتشف دور المجموعات والمشاريع الصغيرة في القيام بأعمال نوعية - مثلما تفعل الحروف النوعية كالجر والعلة - أو أن نعيد إنتاج أشكال القرن الماضي في مشاريع متضخمة، قد لا يسعفها حجمها على السرعة والمرونة في المبادرة واتخاذ القرار.
وليست كل الحروف قابلة للعيش منفردة، لتمارس دورها دون أن تلتحم مع غيرها من الأحرف مكونة كلمة، فحرف ال"ثاء" لا يعمل منفرداً، والأبطال في الغالب قلة، والقادرون على التصدي منفردين صفوة، وتجسدهم تلك المجموعة من الحروف المتميزة التي تمتلك مهارت العمل النوعي.
أعجبتني حقاً تلك الحروف الصغيرة، وأسرتني دقتها ومهارتها، التي لولاها لاصطدمت الكلمات الكبيرة، ولتراشقت، إنها هي التي تنظم، وتفسر، وتُفصِّل،وتفصل بين الكلمات، وتُعاقِب بالجر والكسر أحياناً، وهي صغيرة ليسهل على الكاتب تذكرها، ويسرع في كتابتها قبل ارتطام الكلمات، ويتمكن من حشرها بين أضخم المفردات.
إن الحروف الصغيرة هي صمام الأمان الذي يحول دون اختلال الجمل ومعانيها، وأعتقد أن المشاريع الصغيرة بدورها صارت اليوم صمام أمان يثبت حيوية المجتمعات، وإمكانيتها وقدرتها على الفعل. يقولون أن السمك الكبير يأكل الصغير، وأقول بل الأسماك الصغيرة قادرة على اعتلاء ظهر الحوت
.
-------------------------
نشرت في الجزيرة توك

3 Comments:

  • مقال رائع كعادتك يا وائل ،،

    تابع الكتابة ،،

    فأنا أنتظر مقالاتك الواحد تلو الآخر :)

    By Anonymous غير معرف, at ٦:٣٣ ص  

  • أشكرك يا محمد...
    وأشكر لك متابعتك
    ولك خالص الحب والتقدير والاحترام

    By Blogger وائل عادل, at ١١:٥٢ م  

  • سبحان من علم بالقلم!
    كما يقول الفيلسوف الصيني:
    "اللغة هي وعاء الفكر"..
    كل التوفيق

    By Anonymous غير معرف, at ٧:٢٧ ص  

إرسال تعليق

<< Home