ثورة الأفكار

الاثنين، نوفمبر ٠٦، ٢٠٠٦

نظارة القائد

نظارة القائد

نظارتك ستحدد مستقبلك

بدأت أبحث عنهم... جذبتني أشكالهم... كنت أرقبهم... شباباً وشيوخاً، نساء وفتيات، ولم ينج حتى الأطفال من قصف نظراتي.. تساءلت!! ترى ماذا يرون من خلفها؟؟!!... وهل كلهم يبصرون نفس الشيء بنفس الكيفية؟!! بل لماذا أصلاً يلبسونها؟!! البعض يلبس نظارات شمسية فيرى عالماً بني اللون يتجنب به سطوع شمس العالم الحقيقي، والبعض يستعمل نظارات تضبط له النظر مخافة أن يسقط أسير الحفر في الطرقات، وآخرون يكادون لا يبصرون بدونها فيرون واقعاً ضبابياً، كل هؤلاء اجتمعوا على شيء واحد، أنهم قرروا أن أعينهم المجردة بحاجة إلى أداة جديدة تعينهم على الرؤية.
فكرت أن أشتري نظارة فأعياني البحث ولم أجد ما أريد، مل البائع ونفد صبره، كنت أبحث عن نظارة أبصر من خلالها المستقبل، نظارة أرى من عدساتها الأمل حين يستغرق الناس في الألم، أبصر منها زمجرات التحدي والممانعة، حينما لا يبصر الناس إلا خربشات الآهات على عدساتهم، إنني أبحث عن نظارة استخدمها قادة التاريخ العظام، ومجددو العصور، فكانوا من خلالها يبيعون شعوبهم الأمل، كانوا يرون في كل مشهد فرصة لإثبات التحدي، فلم يروا في الفقر بؤساً؛ بل أبصروا فيه وقود الثورة، ولم يبحثوا عن مآسي الفقراء ليزيدوا إحباط الناس؛ بل نقبوا عن طليعة تمكنت من ترويض الفقر واستخدامه لتغيير الواقع وصرخوا في العالمين "بمثل هؤلاء فلتقتدوا". كانوا يبشرون قومهم، صناعتهم رؤية المستقبل وليس الترويج للواقع، فالواقع السيئ يعلمه الكل، ولا يحتاج إلى ندب أو نواح، لكن الفرص المنثورة في هذا الواقع تحتاج رؤية ثاقبة تستجمعها، وتتطلب نظارة مختلفة تحيط بها، إنني باختصار أريد نظارة نُقشت على عدستها الأولى كلمة "إمكانية"، وعلى عدستها الثانية كلمة "الفعل".. إنها نظارة تهتف بإمكانية الفعل.
أخذت أقلب النظارات فإذا بها من صناعة خصومنا، إنهم يبيعوننا نظرات البؤس والحرمان، ويكرسون لدينا معاني العجز واليأس، إننا نبصر ما يريده خصومنا، ولا نبصر ما نصنع به مستقبلنا، أدركت أن نظاراتنا ستحدد مستقبلنا، وتيقنت من حاجتنا إلى تصنيع نظارات محلي، ينطلق من مصانع القادة الثوار، ومن ورش المفكرين الأحرار، نظارات جديدة، تتلون بألوان المستقبل، فلا نرى إلا حركة وعزماً، ولا نبصر إلا فرصة ونصراً. هذه النظارات سيبيعها الكتاب والمفكرون والمدرسون والقادة والإعلاميون والفنانون وكل من هو معني باستنهاض الأمة. وسيفسرون من خلالها كل مشهد ظاهره بائس ليظهروا للناس الفرص الكامنة، فبين سيل الأمطار ترجل شاب ذكي ليبيع الناس المظلات، فأبصر في السيل فرصة، وعند اشتداد الحر تكسب بائعو المرطبات الذين يقتاتون من الحر ويعتبرونه موسم خير وبركة، وبين مطارق الأعداء على جسد أمتنا تجلت بطولات أمة لن تموت.
لن نعزف ألحان العذاب بل سنشدو بأغاني كسر القيود، لن نكتب عن الجراح بل سنغزل انتفاضة المجروح ونعرض للدنيا بسمته، لن نصور دمعة الطفل بل سنسلط الكاميرا على قبضته المشدودة الغاضبة.
إن لكل مشهد أكثر من زاوية للنظر، فعلينا أن نختار بين الزوايا، وأن نحدد مصيرنا باختيارنا، إما أن نكرس اليأس فنلجأ إلى تصوير الهواة الذي يلتقط صورة لظاهر المشهد؛ أو نستجلب اللقطات بحرفية من زوايا صعبة تنطق بالقدرة على الفعل. فالقائد مصور محترف بالدرجة الأولى، ويأبى لقطات الهواة التي يتمكن منها كل إنسان.
بعد أن خرجت من المحل، تصفحت جريدة في الطريق، وجدت أحد الكتاب يتحدث عن الأمة الغرقى والمنكوبة في مقال طويل، ويتوسل ويتسول من أجلها... فضحكت في نفسي .. وأشفقت على هؤلاء الذين يلبسون نظارات مكتوباً عليها.. "يا لهوي".
-------------
يا لهوي: تعبير في اللكنة المصرية عن قلة الحيلة والعجز

1 Comments:

  • مقال جميل ورائع حقا .خصوصا بما فيه من الامل ..وامكانيه العمل .والعجيب ان كثيرا ممن يلبسون نظارات سوداء هم في الحقيقه لا يريدون تغييرها ..هناك من يلبس النظاره التي يريد ويخاف من مجرد التفكير في تغييرها . غير الذى يلبس نظاره ولكن ان راى من يعطيه الامل - نظاره جديده - فهو يسابق الي اقتنائها .وهؤلاء هم الامل .

    By Anonymous غير معرف, at ٨:١٣ م  

إرسال تعليق

<< Home