ثورة الأفكار

الاثنين، فبراير ١٩، ٢٠٠٧

استراتيجية التحليق

استراتيجيــة التحلـــيق

سنصنع صاروخاً ثم نفككه
5/2/2007
عندما نسافر إلى بلد ما فإننا نستقل طائرة، وبوصولنا إلى البلد الذي نريد نترك الطائرة ونستقل السيارة، دون أن نبكي على فراق الطائرة وعدم استصحابها معنا في السيارة.
وعندما يذهب شخص إلى مكان ما عبر وسيلتين من وسائل المواصلات، كأن يتنقل عبر سيارة أجرة ثم ترام؛ فإنه لا يعير الوسيلة الأولى اهتماماً إذا ما أنهت مهمتها، ولا يشغل باله إلى أين ذهبت، أو من استقلها بعده، أو هل أصابها العطب أم لا تزال تعمل.
إن الوعي بوسائل المواصلات التي تقودنا إلى المستقبل أمر في غاية الأهمية، فرحلة المستقبل تتطلب قطع مراحل بوسائل شتى، تلك الوسائل التي نطلق عليها "أدوات الفعل"، ويعد الانتباه إلى فنون إدارة أدوات الفعل من صميم أولويات المتصدين للتغيير في أي مجال.
فربما نؤسس مؤسسة لهدف، ثم نغلقها بعد أن تؤدي دورها، لنؤسس أخرى تقوم بمهمة مختلفة. وقد تؤسَّس حركات وجمعيات وأحزاب لتحقيق نقلة في مجتمع في مرحلة ما، لكنها لا تصلح لأن تؤدي دور المرحلة التالية، ويكون استصحابها في تلك المرحلة كاستصحاب الطائرة في السيارة، وقد يكون التحالف مع جهة ما أمراً ضرورياً في فترة، وفي فترة أخرى يجب فض هذا التحالف، إن بناء المؤسسات وإقامة التحالفات كلها أدوات فعل يمكن أن تصدأ بعد فترة، وأدوية للمجتمعات قد تقتل إذا انتهت صلاحيتها.
كم أسعد برؤية الرشاقة تتجلى في تفكير القادة، وهم يناورون الواقع، ويعجزونه بأدواتهم الخلاقة، ويتنقلون بينها بشكل مذهل، ولا يرون بأساً من كسر أداة استعملوها من قبل، بعد أن صارت ضارة أو معيقة، إنهم لا يتعاطفون مع أدواتهم، بل يتغزلون في أحلامهم، ولا يبكون وسيلة أدت دورها؛ بل يتخوفون من أن يخذلهم وزنهم عن الإرتقاء، فيتخذون من استراتيجية التحليق معراجاً نحو المستقبل، أليس الصاروخ ينطلق من الأرض بكامل أجزائه بقوة دافعة، ويتخلص تدريجياً من جزء من هيكله مع كل مرحلة حتى يخف وزنه وتزداد سرعته ليتمكن من اقتحام الفضاء؟؟!! فكل جزء من الهيكل له وظيفة في مرحلة ما، لكنه في مرحلة أخرى يصبح عبئاً وقَيْداً، لقد طور العلماء هذه الآلية وأبدعوا الصاروخ متعدد المراحل من أجل الرحلات الطويلة*، وبهم يتشبه القادة فيجيدون لغة المستقبل، ويعلمون الجيل فن إطلاق الصواريخ، ويعيدون تعريف الهدم والبناء.
يظن البعض أن البناء يعني بالضرورة استخدام نفس الأداة، فتتردد مقولة "لم لا نبني على ما سبق!!"، وأرى أن جوهر البناء يعني البناء على نتاج استخدام هذه الأداة من نجاحات أو إخفاقات، وربما تطلب البناء استمرار استخدامها أو تطويرها أو تدميرها. فهدم بعض الأدوات ربما يكون هو سبيل البناء، والبناء على الأدوات المتهالكة هو عين الهدم. فتأسيس ناطحة سحاب يستوجب إزالة البيت المتواضع، أما تأسيسها فوق سطحه فيعني كارثة محققة.
-----------------------------
*كل مرحلة في الصاروخ متعدد المراحل لها محرك صاروخي ووقود دافع. وقد طوَّره المهندسون من أجل الرحلات الطويلة خلال الغلاف الجوي وإلى الفضاء. نظراً للحاجة إلى صواريخ تستطيع أن تصل إلى سرعات أكبر من سرعات الصواريخ ذات المرحلة الواحدة. ويصل الصاروخ متعدد المراحل إلى سرعات أعلى نتيجة نقصان وزنه بإسقاط مراحل (أجزاء) تم استعمال وقودها. وتبلغ سرعة الصاروخ ذي الثلاث مراحل تقريبًا ثلاثة أضعاف سرعة الصاروخ ذي المرحلة الواحدة.