ثورة الأفكار

الأربعاء، نوفمبر ٢٢، ٢٠٠٦

زلـــزال العقــــول

زلـــزال العقــــول

الزلزال قادم لا محالة

عندما ننظر إلى خارطة العالم، ونرى القارات مستقرة لتشكل جزيرة عالمية تحيط بها المياه من كل جانب، ندرك عظم الدور الذي تتطلبه التحولات الكبرى. فالأرض لم تكن مجزأة بهذا الشكل، ودار حوار وتفاوض مستمر بين اليابسة والماء، ويظل هذا الحوار قائماً ما بقيت التفاعلات قائمة بين مكونات وعناصر الكون.
ولولا الهزات والرجات والتصدعات لظلت الأرض كتلة واحدة، ولما رأينا مغازلة المياه لليابسة، وتوطنها كحاجز فاصل بين القارات لترسم لنا لوحة رائعة لمشهد القارات الست متربعة على عرش الماء.
وتمتلك الدول التي تعاني من زلازل متكررة مراصد للتبنؤ بحدوث الزلزال، لتحذر الناس أن "الزلزال قادم لا محالة".
وتحتاج التحولات الحضارية بدورها زلازل تعيد تشكيل وجه الإنسانية، لترسم عليه أرقى الألوان وأبهجها، وتمنحه قسمات الأمل والإصرار.
وحينما تزداد الضغوط على الأمم، وتتعاظم التحديات المفروضة عليها، يتنبؤ علماء الاجتماع بأن زلزال العقول حتمي الحدوث، وأنه قادم لا محالة، حيث يعاد تشكيل العقل بشكل جديد، ويتغير تعريف الممكن والمستحيل، وتراجع المسلمات وأنماط التفكير السابقة التي تولدت في ظلها هذه التحديات، هذا الزلزال هو الذي يجدد حيوية العقل، ويعيد فرز الأفكار، ويبدع المخرج من الأوضاع التي تبدو قاهرة.
ولابد للعقل من زلزال بين الحين والآخر، لأن استقرار الأفكار فيه فترة طويلة لا يدل بالضرورة على النضج؛ بل قد يعني الجمود على ما ألفه، لذلك يجب أن يرتج بين الحين والآخر رجات قوية يعيد من خلالها فرز أفكاره ومراجعة مسلماته، ولا عجب إن أبقى على بعض الأفكار التي يصلح بها العقل، وشذب البعض الآخر وطوره، واجتث مجموعة أخرى من الأفكار بلا رجعة، تلك الأفكار التي تعيق الحراك الجاد نحو التحول.
إنه زلزال حقيقي، يضمن حيوية العقل، ويبدو مؤكد الحدوث مع عجز نمط التفكير السابق عن إيجاد حلول وبدائل للتحديات، وتطلع الناس إلى مخرج.
وإذا تأملنا حياة المصلحين والمفكرين والقادة الذي أحدثوا تحولات تاريخية لوجدنا أنهم زلزلوا العقول، إما بالتعرض للمعتقدات السابقة بالنقد، أو مقاومة المسلمات الخاطئة مثل توهم أن الأرض مسطحة، أو تغيير أنماط التفكير والنظر إلى شكل المجتمع الأفضل، أو طرح أطروحات جديدة جذابة تخاطب أشواق الجماهير، أو القيام بمبادرات تؤكد القدرة على إحداث التحولات على الأرض. لقد اتخذوا من عقول الجماهير هدفاً، وصاغوا من القول والفعل أدوات لإحداث الرجات، إنهم مهندسو "تسونامي" العقول الجارف، الذي يغير قناعات الجماهير، لتنتقل من الشعور بالعجز إلى الإيمان بإمكانية الفعل، وتسرع إلى مغادرة مقعد المتفرج إلى مقعد الفاعل.
إننا إذا أردنا تغيير وجه خارطة الفعل السياسي والاجتماعي، فلا نبالغ إذ نقول، أنه لابد من زلزلة العقول.